الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ثم إنه تعالى أتبع ذكر الدلائل الفلكية بذكر الدلائل المأخوذة من هذا العالم الأسفل، فبدأ بذكر الإنسان فقال: {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ودلالة تكون الإنسان على الإله المختار قد سبق بيانها مرارًا كثيرة، فإن قيل كيف جاز أن يقول: {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} والزوج مخلوق قبل خلقهم؟ أجابوا عنه من وجوه الأول: أن كلمة ثم كما تجيء لبيان كون إحدى الواقعتين متأخرة عن الثانية، فكذلك تجيء لبيان تأخر أحد الكلامين عن الآخر، كقول القائل بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس كان أعجب، ويقول أيضًا قد أعطيتك اليوم شيئًا، ثم الذي أعطيتك أمس أكثر الثاني: أن يكون التقدير خلقكم من نفس خلقت وحدها ثم جعل منها زوجها الثالث: أخرج الله تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء.واعلم أنه تعالى لما ذكر الاستدلال بخلقة الإنسان على وجود الصانع ذكر عقيبه الاستدلال بوجود الحيوان عليه فقال: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج} وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وقد بينا كيفية دلالة هذه الحيوانات على وجود الصانع في قوله: {والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء} [النحل: 5] وفي تفسير قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ} وجوه: الأول: أن قضاء الله وتقديره وحكمه موصوف بالنزول من السماء لأجل أنه كتب في اللوح المحفوظ كل كائن يكون الثاني: أن شيئًا من الحيوان لا يعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء والتراب، والماء ينزل من السماء فصار التقدير كأنه أنزلها الثالث: أنه تعالى خلقها في الجنة ثم أنزلها إلى الأرض وقوله: {ثمانية أزواج} أي ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز، والزوج اسم لكل واحد معه آخر، فإذا انفرد فهو فرد منه قال تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39].ثم قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ في بُطُونِ أمهاتكم خَلْقًا مّن بَعْدِ خَلْقٍ} وفيه أبحاث:الأول: قرأ حمزة بكسر الألف والميم، والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم، والباقون أمهاتكم بضم الألف وفتح الميم.الثاني: أنه تعالى لما ذكر تخليق الناس من شخص واحد وهو آدم عليه السلام أردفه بتخليق الأنعام، وإنما خصها بالذكر لأنها أشرف الحيوانات بعد الإنسان، ثم ذكر عقيب ذكرهما حالة مشتركة بين الإنسان وبين الأنعام وهي كونها مخلوقة في بطون أمهاتهم وقوله: {خَلْقًا مّن بَعْدِ خَلْقٍ} المراد منه ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ ثُمَّ جعلناه نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عظاما فَكَسَوْنَا العظام لَحْمًا ثُمَّ أنشأناه خَلْقًا ءاخَرَ فَتَبَارَكَ الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12- 14] وقوله: {فِى ظلمات ثَلاث} قيل: الظلمات الثلاث البطن والرحم والمشيمة وقيل: الصلب والرحم والبطن ووجه الاستدلال بهذه الحالات قد ذكرناه في قوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء}.واعلم أنه تعالى لما شرح هذه الدلائل ووصفها قال: {ذلكم الله رَبُّكُمُ} أي: ذلكم الشيء الذي عرفتم عجائب أفعاله هو الله ربكم، وفي هذه الآية: دلالة على كونه سبحانه وتعالى منزهًا عن الأجزاء والأعضاء وعلى كونه منزهًا عن الجسمية والمكانية، وذلك أنه تعالى عندما أراد أن يعرف عباده ذاته المخصوصة لم يذكر إلا كونه فاعلًا لهذه الأشياء، ولو كان جسمًا مركبًا من الأعضاء لكان تعريفه بتلك الأجزاء والأعضاء تعريفًا للشيء بأجزاء حقيقته، ولو كان ذلك القسم ممكنًا لكان الاكتفاء بهذا القسم الثاني تقصيرًا ونقصًا وذلك غير جائز، فعلمنا أن الاكتفاء بهذا القسم إنما حسن لأن القسم الأول محال ممتنع الوجود، وذلك يدل على كونه سبحانه وتعالى متعاليًا عن الجسمية والأعضاء والأجزاء.ثم قال تعالى: {لَهُ الملك} وهذا يفيد الحصر أي له الملك لا لغيره، ولما ثبت أنه لا ملك إلا له وجب القول بأنه لا إله إلا هو لأنه لو ثبت إله آخر، فذلك الإله إما أن يكون له الملك أو لا يكون له الملك، فإن كان له الملك فحينئذ يكون كل واحد منهما مالكًا قادرًا ويجري بينهما التمانع كما ثبت في قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وذلك محال، وإن لم يكن للثاني شيء من القدرة والملك فيكون ناقصًا ولا يصلح للإلهية، فثبت أنه لما دل الدليل على أنه لا ملك إلا الله، وجب أن يقال لا إله للعالمين ولا معبود للخلق أجمعين إلا الله الأحد الحق الصمد، ثم اعلم أنه سبحانه لما بين بهذه الدلائل كمال قدرة الله سبحانه وحكمته ورحمته، رتب عليه تزييف طريقة المشركين والضالين من وجوه الأول: قوله: {فأنى تُصْرَفُونَ} يحتج به أصحابنا ويحتج به المعتزلة.أما أصحابنا فوجه الاستدلال لهم بهذه الآية: أنها صريحة في أنهم لم ينصرفوا بأنفسهم عن هذه البيانات بل صرفها عنهم غيرهم، وما ذاك الغير إلا الله، وأيضًا فدليل العقل يقوي ذلك لأن كل واحد يريد لنفسه تحصيل الحق والصواب، فلما لم يحصل ذلك وإنما حصل الجهل والضلال علمنا أنه من غيره لا منه، وأما المعتزلة فوجه الاستدلال لهم: أن قوله: {فأنى تُصْرَفُونَ} تعجب من هذا الانصراف، ولو كان الفاعل لذلك الصرف هو الله تعالى لم يبق لهذا التعجب معنى.ثم قال تعالى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ} والمعنى أن الله تعالى ما كلف المكلفين ليجر إلى نفسه منفعة أو ليدفع عن نفسه مضرة، وذلك لأنه تعالى غني على الإطلاق، ويمتنع في حقه جر المنفعة ودفع المضرة، وإنما قلنا إنه غني لوجوه: الأول: واجب الوجود لذاته وواجب الوجود في جميع صفاته، ومن كان كذلك كان غنيًا على الإطلاق الثاني: أنه لو كان محتاجًا لكانت تلك الحاجة إما قديمة وإما حادثة.والأول باطل وإلا لزم أن يخلق في الأزل ما كان محتاجًا إليه وذلك محال، لأن الخلق والأزل متناقض.والثاني باطل لأن الحاجة نقصان والحكيم لا يدعوه الداعي إلى تحصيل النقصان لنفسه الثالث: هب أنه يبقى الشك في أنه هل تصح الشهوة والنفرة والحاجة عليه أم لا؟ أما من المعلوم بالضرورة أن الإله القادر على خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والعرش والكرسي والعناصر الأربعة، والمواليد الثلاثة يمتنع أن ينتفع بصلاة زيد وصيام عمرو، وأن يضر بعدم صلاة هذا وعدم صيام ذاك، فثبت بما ذكرنا أن جميع العالمين لو كفروا وأصروا على الجهل فإن الله غني عنهم.ثم قال تعالى بعده: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} يعني أنه وإن كان لا ينفعه إيمان ولا يضره كفران إلا أنه لا يرضى بالكفر، واحتج الجبائي بهذه الآية من وجهين: الأول: أن المجبرة يقولون إن الله تعالى خلق كفر العباد وإنه من جهة ما خلقه حق وصواب، قال ولو كان الأمر كذلك لكان قد رضي الكفر من الوجه الذي خلقه، وذلك ضد الآية الثاني: لو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب علينا أن نرضى به لأن الرضا بقضاء الله تعالى واجب، وحيث اجتمعت الأمة على أن الرضا بالكفر كفر ثبت أنه ليس بقضاء الله وليس أيضًا برضاء الله تعالى، وأجاب الأصحاب عن هذا الاستدلال من وجوه الأول: أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين، قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا} [الفرقان: 63] وقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} [الإنسان: 6] وقال: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الحجر: 42] فعلى هذا التقدير قوله: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} ولا يرضى للمؤمنين الكفر، وذلك لا يضرنا الثاني: أنا نقول الكفر بإرادة الله تعالى ولا نقول إنه برضا الله لأن الرضا عبارة عن المدح عليه والثناء بفعله، قال الله تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين} [الفتح: 18] أي يمدحهم ويثني عليهم الثالث: كان الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رحمه الله يقول: الرضا عبارة عن ترك اللوم والاعتراض، وليس عبارة عن الإرادة، والدليل عليه قول ابن دريد:أثبت الرضا مع القسر وذلك يدل على ما قلناه والرابع: هب أن الرضا هو الإرادة إلا أن قوله: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} عام، فتخصيصه بالآيات الدالة على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر كقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الإنسان: 30]، والله أعلم.ثم قال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} والمراد أنه لما بين أنه لا يرضى الكفر بين أنه يرضى الشكر، وفيه مسائل:المسألة الأولى:اختلف القراء في هاء {يَرْضَهُ} على ثلاثة أوجه أحدها: قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة بضم الهاء مختلسة غير متبعة وثانيها: قرأ أبو عمرو وحمزة في بعض الروايات يرضه ساكنة الهاء للتخفيف وثالثها: قرأ نافع في بعض الروايات وابن كثير وابن عامر والكسائي مضمومة الهاء مشبعة، قال الواحدي رحمه الله من القراء من أشبع الهاء حتى ألحق بها واوًا، لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة ضربه وله، فكما أن هذا مشبع عند الجميع كذلك يرضه، ومنهم من حرك الهاء ولم يلحق الواو، لأن الأصل يرضاه والألف المحذوفة للجزم ليس يلزم حذفها فكانت كالباقية، ومع بقاء الألف لا يجوز إثبات الواو فكذا ههنا.المسألة الثانية:الشكر حالة مركبة من قول واعتقاد وعمل أما القول فهو الإقرار بحصول النعمة وأما الاعتقاد فهو اعتقاد صدور النعمة من ذلك المنعم.ثم قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} قال الجبائي هذا يدل على أنه تعالى لا يعذب أحدًا على فعل غيره، فلو فعل الله كفرهم لما جاز أن يعذبهم عليه، وأيضًا لا يجوز أن يعذب الأولاد بذنوب الآباء، بخلاف ما يقول القوم.واحتج أيضًا من أنكر وجوب ضرب الدية على العاقلة بهذه الآية.ثم قال تعالى: {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} واعلم أنا ذكرنا كثيرًا أن أهم المطالب للإنسان أن يعرف خالقه بقدر الإمكان، وأن يعرف ما يضره وما ينفعه في هذه الحياة الدنيوية، وأن يعرف أحواله بعد الموت، ففي هذه الآية ذكر الدلائل الكثيرة من العالم الأعلى والعالم الأسفل على كمال قدرة الصانع وعلمه وحكمته، ثم أتبعه بأن أمره بالشكر ونهاه عن الكفر ثم بين أحواله بعد الموت بقوله: {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} وفيه مسائل:المسألة الأولى:المشبهة تمسكوا بلفظ إلى على أن إله العالم في جهة وقد أجبنا عنه مرارًا.المسألة الثانية:زعم القوم أن هذه الأرواح كانت قبل الأجساد وتمسكوا بلفظ الرجوع الموجود في هذه الآية وفي سائر الآيات.المسألة الثالثة:دلت هذه الآية على إثبات البعث والقيامة.ثم قال: {فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وهذا تهديد للعاصي وبشارة للمطيع، وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} كالعلة لما سبق، يعني أنه يمكنه أن ينبئكم بأعمالكم، لأنه عالم بجميع المعلومات، فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». اهـ. .قال الجصاص: قَوْله تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} {ثُمَّ} رَاجِعَةٌ إلَى صِلَةِ الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ قَالَ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا إلَى الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْأَوْلَادِ عَلَى مَعْنَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ قَبْلَ الْوَلَدِ.وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا} وَنَحْوُ ذَلِكَ آخِرُ سُورَةِ الزُّمَرِ. اهـ..قال ابن عطية: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} النفس الواحدة المرادة في الآية هي نفس آدم عليه السلام، قاله قتادة وغيره. ويحتمل أن يكون اسم الجنس.وقوله تعالى: {ثم جعل} ظاهر اللفظ يقتضي أن جعل الزوجة من النفس هو بعد أن خلق الخلق منها، وليس الأمر كذلك.واختلف الناس في تأويل هذا الظاهر، فقالت فرقة قوله: {خلقكم من نفس واحدة} هو أخذ الذرية من ظهر آدم وذلك شيء كان قبل خلق حواء، وقالت فرقة: إنما هي لترتيب الأخبار لا لترتيب المعاني. كأنه قال: ثم كان من أمره قبل ذلك أن جعل منها زوجها، وفي نحو هذا المعنى ينشد هذا البيت أبو النواس: الخفيف:وقالت فرقة قوله: {خلقكم من نفس واحدة} عبارة عن سبق ذلك في علم الله تعالى، فلما كان ذلك أمرًا حتمًا واقعًا ولا بد، حسن أن يخبر عن تلك الحال التي كانت وثيقة، ثم عطف عليها حالة جعل الزوجة منها، فجاءت معان مترتبة وإن كان خروج خلق العالم من آدم إلى الوجود إنما يجيء بعد ذلك، وزوج آدم حواء عليهما السلام، وخلقت من ضلعه القصيري فيما روي، ويؤيد هذا الحديث الذي فيه أن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمه كسرته. وقالت فرقة: خلقت حواء من بقية طين آدم والأول أصح، وقد تقدم شرح ذلك، وقوله تعالى: {وأنزل لكم} قيل معناه: أن المخلوق الأول من هذه الأنعام خلق في السماء وأهبط إلى الأرض، وقالت فرقة: بل لما نزل الأمر بخلقه وإيجاده من عند الله، وكانت العادة في نعم الله ورحمته وأمطاره وغير ذلك أن يقال فيها إنها من السماء عبر عن هذه ب {أنزل} وقالت فرقة: لما كانت الأمطار تنزل وكانت الأعشاب والنبات عن المطر، وكانت هذه الأنعام عن النبات في سمنها ومعاشها، قال في هذه {أنزل} فهو على التدريج كما قال الراجز: وكما قال الشاعر عمرو بن حبان: الطويل: وجعلها ثمانية، لأن كل واحد فيه زوج للذكر من فرعه، وهي الضأن والمعز والبقر والإبل.وقوله تعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق في ظلمات ثلاث} قال ابن زيد، معناه: يخلقكم في البطون خلقًا من بعد خلق آخر في ظهر آدم وظهور الآباء. وقال مجاهد وعكرمة والسدي: يخلقكم في البطون رتبًا خلقًا من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك.وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف: {يخلقكم} بإدغام القاف في الكاف في جميع القرآن. وقرأ الجمهور: {أُمهاتكم} بضم الهمزة. وقرأ يحيى بن وثاب: بكسرها وهي لغتان.
|